ستغل الروم انشغال الخليفة المعتصم في القضاء على فتنة بابك الخرمي، وجهزوا جيشا ضخما قاده ملك الروم،توفيل بن ميخائيل بأهل ملطية من المسلمين وما والاها ملحمة عظيمة، بلغ أكثر من مائة ألف جندي، هاجم شمال الشام والجزيرة، ودخل مدينة "زبطْرة" التي تقع على الثغور، وكانت تخرج منها الغزوات ضد الروم، وقتل الجيش الرومي من بداخل حصون المدينة من الرجال، وانتقل إلى "ملطية" المجاورة
فأغار عليها، وعلى كثير من الحصون، ومثل بمن صار في يده من المسلمين، وسمل أعينهم، وقطع آذانهم وأنوفهم، وسبى من المسلمات واعتدى على اعراضهن فيما قيل أكثر من ألف امرأة.
وصلت هذه الأنباء المروعة إلى أسماع المعتصم، وحكى الهاربون الفظائع التي ارتكبها الروم مع السكان العزل؛ فانزعج لذلك المعتصم انزعاجا عظيما وغضب غضبا شديدا وصرخ في قصره بالنفير، وعندما ذكروا أن امرأة ممن وقعت في أسر الروم قالت: وامعتصماه، وفي يده قدح يريد أن يشرب ما فيه، قذف بالقدح واستشاط غضبا، .وأمر بعمامة الغزاة فاعتم بها ونادى لساعته بالمواجهة واشعال لحرب.
فتح عموريةعلى يد المعتصم
استدعى المعتصم الجيوش وتجهز بجهازا لم يجهزه أحد كان قبله من الخلفاء، وأخذ معه من آلات الحرب والأحمال والجمال والقرب والدواب والنفطوالخيل والبغال شيئا لم يسمع بمثله.
وسار إلى عمورية في جحافل أمثال الجبال، وبعث الأفشين حيدر بن كاوس من ناحية سروج، وعبى جيوشه تعبئة لم يسمع بمثلها، وقدم بين يديه الأمراء المعروفين بالحرب، فانتهى في سيره إلى نهر اللسى وهو قريب من طرسوس، وذلك في رجب من هذه السنة.
ودخل الأفشين بلاد الروم من ناحية أخرى، فجاؤوا في أثره وضاق ذرعه بسبب ذلك
ثم اقترب منه الأفشين فسار إليه ملك الروم في شرذمة من جيشه واستخلف على بقية جيشه قريبا له فالتقيا هو والأفشين في يوم الخميس لخمس بقين من شعبان منها، فثبت الأفشين في ثاني الحال وقتل من الروم خلقا وجرح آخرين، وتغلب على ملك الروم.
وجاءت الأخبار بذلك كله إلى المعتصم فسره ذلك وركب من فوره وجاء إلى أنقره ووافاه الأفشين بمن معه إلى هناك، فوجدوا أهلها قد هربوا منه فتقووا منها بما وجدوا من طعام وغيره، ثم فرق المعتصم جيشه ثلاث فرق فالميمنة عليها الأفشين، والميسرة عليها أشناس، والمعتصم في القلب،
وسار بهم كذلك قاصدا إلى عمورية، وكان بينها وبين مدينة أنقره سبع مراحل، فأول من وصل إليها من الجيش أشناس أمير الميسرة ثم قدم المعتصم صبيحة يوم الجمعة بعده، وقد تحصن أهلها تحصنا شديدا وملأوا أبراجها بالرجال والسلاح، وهي مدينة عظيمة كبيرة جدا ذات سور منيع وأبراج عالية كبار كثيرة.
فنصب المعتصم المجانيق حول عمورية فكان أول موضع انهدم من سورها
فبادر أهل البلد فسدوه بالخشب الكبار المتلاصقة فألح عليها المنجنيق فجعلوا فوقها البرادع ليردوا حدة الحجر فلم تغن شيئا، و انهدم السور من ذلك الجانب وتفسخ.
ثم أمر المعتصم عند ذلك بتجديد الحرس والاحتياط والاحتفاظ من خروج الروم بغتة، فضاقت الروم ذرعا بذلك، وألح عليهم المسلمون في الحصار، وقد زاد المعتصم في المجانيق والدبابات وغير ذلك من آلات الحرب.
وبينما الناس في الجسر المردوم إذ هدم المنجنيق ذلك الموضع المعيب، فلما سقط ما بين البرجين سمع الناس هدة عظيمة فظنها من لم يرها أن الروم قد خرجوا على المسلمين بغتة، فبعث المعتصم من نادى في الناس: إنما ذلك سقوط السور.
ففرح المسلمون بذلك فرحا شديدا، لكن لم يكن ما هدم يسع الخيل والرجال إذا دخلوا.
ثم تكاثروا عليهم ودخلوا البلد قهرا، وتتابع المسلمون إليها يكبرون، وتفرقت الروم عن أماكنها فجعل المسلمون يقتلونهم في كل مكان حيث وجدوهم، وقد حشروهم في كنيسة لهم هائلة ففتحوها قسرا وقتلوا من فيها وأحرقوا عليهم باب الكنيسة فاحترقت فأحرقوا عن آخرهم.
وكانت إقامته على عمورية خمسة وعشرين يوما.
فاين نحن من زمن المعتصم الكل يستغيث ولا احد يسمع النداء